الأحد، 23 يوليو 2023

معجزتا الكسوف والخسوف

  

عطية مرجان ابوزر


كان من عادة القدماء أنهم ينسبون أي ظاهرة طبيعية متميزة إلى أساطير وخرافات كقولهم عندما تنكسف الشمس يقولون إنها انكسفت لموت إنسان عظيم، وكانوا أحيانا يقولون إن هذا دليل على أننا سنخسر هذه المعركة أو أن ذلك الملك سيموت أو سيزول ملكه. كان بعض الناس يعتقدون بها كما في الصين القديمة كانوا يعتقدون أن الشمس عندما تنكسف كأن هنالك تِنِّيناً ابتلع هذا الشمس فكان يضربون على الطبول، ويقذفون بالأسهم إلى السماء لإخافة هذا التنين، ثم يقولون إن هذا التنين خاف وقذف بالشمس وهرب، وكان بعض الناس يعتقد أن الشمس إذا انكسفت فهذا يدل على أن هنالك حدثاً عظيماً سيحدث، لأنهم كانوا يربطون الشمس بالآلهة. وفي الهند كان الناس يغمرون أنفسهم بالماء عند رؤيتهم هذه الظاهرة لكي لا يسقط عليهم شيء منه!! وحتى يومنا هذا يعتقد الأسكيمو أن الشمس تختفي وتذهب بعيداً أثناء ظاهرة كسوف الشمس ثم تعود من جديد!! هذه المعتقدات كانت بالنسبة لذلك الزمن معتقدات يقينية،

 

ومن هؤلاء كان سلفنا الصالح صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين نسبوا ظاهرة كسوف الشمس إلى موت إبراهيم ابن محمد رسول الله ,فقد شاءت إرادة الله تعالى أن يحدث الكسوف على زمن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقد تصادف كسوفها يوم توفي ابن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (إبراهيم) ولما هب الصحابة إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قائلين: لقد انكسفت الشمس بسبب موت إبراهيم، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة)[رواه البخاري و مسلم وغيرهما].

 

بهذا الحديث الشريف نجد مدخلنا إلى الإعجاز القرآني العظيم في علم الفلك, وعليه نؤكد أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو أول من وضع أساساً لتدبر علم الفلك....

ظاهرة كسوف الشمس شغلت الكثير من البشر في كل العصور، قديما وحديثا حتى عهد قريب من النهضة العلمية في العصر الحديث ولغاية عام1230 م حدث كسوف في أوروبا الغربية في الصباح مما دفع بالناس للرجوع إلى منازلهم لظنهم أن الليل قد خيم! ولكن في غضون ساعة استعادت الشمس سطوعها مما أدهش الجميع, .

 

عندما تقدم العلم وبدأ عصر البحث العلمي الاكتشافات الفلكية، وجد الفلكيون تفسيراً لهذه الظاهرة، واتضح لهم أنها ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة دوران القمر حول الأرض، ووقوع القمر بين الشمس والأرض مما يمنع رؤية الشمس. وتتكرر هذه الظاهرة   باستمرار    بقانون كوني ورياضي محسوب وباتت إمكانية التنبؤ به مسبقاً ميسورة للمختصين..

 

يتلخص تفسير هذه الظاهرة: في إن القمر يدور حول الأرض، والأرض تدور حول الشمس كما بات معلوما، فلكل منهم مدار محدد وفلك محسوب بدقة فائقة. وعندما يمرّ القمر بين الأرض والشمس أثناء النهار فإنه سيحجب ضوء الشمس عنا وتستتر الشمس لفترة من الزمن هي ما نسميه بكسوف الشمس، ويكون القمر والأرض والشمس على خط واحد أثناء حدوث هذه الظاهرة. قال فالق الأصباح جل وعلا " وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام : 96]" وسبحان الجاعل لهذه الظاهرة وما أراد بها من حكمة لا يدركها سواه, وهو الذي أوحى بالعلم لنبيه الكريم الذي فسر لصحابته هذه الظاهرة فأنهى عصر الخرافات فيما قبل 1435 عاما من يومنا هذا, ومعروف عن أهل الاختصاص وبالرؤية المنظورة أن للشمس أنواع من الكسوف منها ما يعرف بالكسوف الكلي (عندما تختفي أشعة الشمس بشكل كامل). وبالكسوف الجزئي (ويكون بسبب مرور القمر أمام الشمس فيحجب جزءاً منها) وأما الكسوف الحلقي فهو (عندما لا يعترض القمر الشمس بشكل كامل بل تظهر هالة دائرية). أما السبب الرئيس لحدوث هذه الظواهر فقد جاء على بيانه القرآن الكريم حين قال "وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ   يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى [الرعد : 2] بهذه الكلمات بين لنا القرآن علم فلكي كامل مخبرا عن حركة الكوكبين في أفلاك محددة لها , ثم ترك الله تعالى للإنسان شأن تدبر هذا الخبر العلمي وتبين ذات الآية الكريمة الحكمة الإلهية من هذه الحركة للشمس والقمر فتقول "يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ" فكان أن ما أخبرت به الآية يهدف إلى بيان الله للناس بأنه هو جل وعلا من يدبر أمر هذه الحركة  وهو من فصل للناس في أمرها لتكون آية تؤدي إلى اليقين بالله وجودا ,وقدرة ,وإلوهية , وربوبية

 

علميا قال المختصون: إن قطر الشمس أكبر من قطر القمر 400 مرة، وحتى يحدث الكسوف يجب أن تكون الشمس أبعد بـ 400 مرة من بعد القمر عن الأرض وعندها سيغطي قرص القمر قرص الشمس، ويظهران كأنهما بنفس الحجم، وطبعاً سوف يحدث الكسوف في هذه الحالة

وصدق رب السموات والأرض القائل "وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [إبراهيم : 33]" وتلك حكمة أخرى يخبرنا بها رب المشارق والمغارب,

وهو يخبرنا وجل من مخبر= فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [النحل : 12] وهي رسالة للعقلاء - لقوم يعقلون والعقلاء هم من يتدبرون ويؤمنون وهؤلاء هم من إذا سألتهم عن رب الشمس والقمر والمدبر لأمرهما قالوا هو الله " وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [العنكبوت : 61]", فالشمس والقمر في العلم القرآني المعجز " وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء : 33]" ولم يكتفي القرآن الكريم بهذا البيان والتفصيل في هذا العلم الغيبي بالنسبة للإنسان بل زاد تفصيلا فقال " الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّىٌ [لقمان : 29]" فكل حركة وكل سباحة وكل ظاهرة ترونها إنما هي منتظمة يتدبر أمرها الرب العظيم "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن : 5] " فلا تأخير لسرعة هذا الكوكب ولا تقديم لسرعة آخر .

 

وبموازاة هذا الكسوف للشمس الذي باتت أسبابة وعلومه معروفة للمسلمين دون غيرهم منذ أكثر من 14 قرنا مضت كانت ظاهرة كسوف القمر وخسوفه, فعندما تعترض الأرض ظل الشمس عليه، يختفي القمر كلياً ويسمى بالكسوف الكلي للقمر وفي هذه الحالة يمر القمر من أمام الشمس فيخفي ضوؤها ويحل الظلام رويدا , رويدا حتى يغطي السماء بشكل تام, أما ما يعرف بالكسوف الجزئي للقمر فلا يختفي فيه القمر كلياً عن العين لأن وجود الغيوم والغبار في الجو يسبب توهج لقرص القمر الذي حجبت الأرض عنه ضوء الشمس، ويبدو القمر في كسوفه كقرص نحاسي 


ومن تجليات الإرادة الإلهية التي تواكب ظاهرة الكسوف ما بات معلوما للناس من تأثر الكثير من المخلوقات على الأرض به, وكأن ليلا حقيقيا قد حل , فالأزهار تنحني استعدادا للنوم , والنحل يعود إلى ممالكه، والبلابل تتوقف عن التغريد، وتنخفض درجة الحرارة قليلاً. وما أن يغادر القمر مسيره من أمام الشمس وتبدأ الشمس بالظهور من جديد وتعود الأمور تدريجياً كما كانت وكأنما هي تشرق في صباحها من جديد.


الإعجاز في آية الكسوف:

جاء الإعجاز القرآني في آيات الشمس والقمر متحديا للناس كافة فقد فصل القرآن في هذا الشأن فقال:"

..وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً .".ِ [الأنعام : 96] ومن أجلى الصور المصدقة لهذا القول القرآني ظاهرة لجوء الطيور والحشرات إلى مساكنها فور بدء حالة الكسوف.

" ... وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ... [الأعراف : 54] إعجاز لكل ملحد يأبي التسليم واليقين بأن لهذا الكون مدبر منظم 

"َسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى... [الرعد : 2] إعجاز للمتخصصين من الفلكيين والراصدين لحساب سرعة الجريان والأجل لكل دورة فلكية.

" وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [إبراهيم : 33] إعجاز آخر لبيان الحكمة الإلهية من هذه الحركة التي ينتج عنها ما هو حياة وسكن للمخلوقات على الأرض.

"...َ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء : 33] " لفهم معنى السباحة الكوكبية كان إعجاز قرآني آخر فهي ليست بالمسير ولا بالقفز ولا بالتموج إنما هي حركة سباحيه أي تموجيه على الإنسان ثالثا: عملا بقول الله تعالى بضرورة السجود لعظمته عند ظهور كل آية (وَالَّذِينَ ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) مع التأكيد على السجود له سبحانه حين وجود آيتي الشمس والقمر(الكسوف والخسوف) قال تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت : 37] فقد جاء أمر رسول الله بالفزع إلى الصلاة والسجود لله تعالى.

قال صلوات الله عليه ( فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي)

.أن يدبر معرفتها على هذا الأساس, وهي حركة محددة بمسلك لا حياد عنه سماه بالفلك أو المسار الذي لا نهاية له متواصل بشكل شبه بيضاوي كما هو شكل الأرض. وعنه ينتج طول ليل الشتاء وطول نهار الصيف بسبب ابتعاد الشمس أو قربها عن الأرض حسبما تحتكم لفلكها.

" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ . [لقمان : 29  إعجاز لغوي علمي يحدده مصطلح القرآن بالولوج وليس بالدخول أو الانسحاب أو غيره وللولوج معنى علمي لا معجمي يصير الى فهم تداخل النور بالظلام تداخلا بدرجات ما يعرف السلم اللوني.كذلك زاد العلم القرآني إعجازا للناس فقال:" يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ... [الزمر : 5] "في مصطلح آخر مقامه التكوير لزيادة العلم علما.

" الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن : 5] إعجاز رياضي آخر في شأن حركتي الشمس والقمر كائن في علوم الحساب الفلكي فصله الإسلام في حساب مواقيت الصلوات الخمس فاختص المسلمون بهذا العلم دون سواهم.(كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24].كذلك يكون الإعجاز تاما محددا لذي الفكر دون العامة فشئون هذا العلم لا يتأتى للعامة وقد علم الله تعالى أنه لن يكون إلا لقوم هم أهل للتفكر والتدبر والحساب والرصد ...الخ .

الهدي النبوي في الكسوف أولا: بين رسول الله أن ظاهرة الكسوف ليست بظاهرة مرتبطة بأحوال الأرض ومن عليها إنما هي ظاهرة طبيعية (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) فكانت تلك الكلمات الشريفة حاسمة لقطع عهود من المعتقدات الخرافية .

ثانيا: دعوة الرسول الكريم للفزع إلى الصلاة (فافزعوا إلى الصلاة) كانت لها حكمتها, وفيها منع الناس من النظر من الشمس   وهي على حالتها تلك لما فيها من إدي للعين, بسبب تشتت الأشعة تحت الحمراء عنها, وهي الأشعة المنهي التعرض لها علميا

 

https://a3shab1a.blogspot.com/p/httpsdraftbloggercomblogpagepreview1280.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق