السبت، 5 أغسطس 2023

الحديد منزل من السماء

 

الحديد منزل من السماء
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم النبيين والسلام على الأنبياء جميعهم والمرسلين المُكرمين وبعد:

كان للحديد سورة في القرآن تمجد تنزيله سُميت باسم "سورة الحديد" رقمها في القرآن 57 أي منتصف القرآن


التفسير العام للآية :-

" لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد : 25]

تؤكد هذه أن الحديد قد أُنزل إنزالا ولم تذكر أنه خلق على الأرض كما جاء في خلق سواه‏,‏ وذكرت انه يمتاز ببأسه الشديد‏,‏ وبمنافعه العديدة للناس‏,‏ وهذه النصوص بما فيها من إخبار قرآني علمي تعتبر من الأمور التي لم يصل العلم الإنساني إلي إدراكها إلا في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين أي بعد أكثر من ألف عام من هذا الإخبار‏.‏
كيف أنزل الحديد؟ وما هو وجه المقارنة بين إنزال وحي السماء وإنزال الحديد؟ ما هو بأسه الشديد؟ وما هي منافعه للناس؟ أسئلة ذهنية  تنتظر الإجابات وقبل الإجابة علي تلك الأسئلة لابد من استعراض سريع للدلالات اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة‏,‏ وكذلك للمواضع التي ورد فيها ذكر‏(‏ الحديد‏ )‏ في كتاب الله ‏(‏ تعالي‏ ) .‏
جاء ذكر الحديد في القران المجيد ستة مرات فقط كانت في الآيات 
  1. لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد : 25]
  2. آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً [الكهف : 96]
  3.  وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ : 10]
  4.  قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً [الإسراء : 50]
  5.  وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج : 21]
  6.  لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [قـ : 22]
وكلها تشير إلي عنصر الحديد ماعدا الآية السادسة أعلاه وهي التي من سورة ق والتي جاءت لفظة‏(‏ حديد‏)‏ فيها في مقام التشبيه للبصر بمعني أنه نافذ قوي يبصر به ما كان خفيا عنه في الدنيا‏ والدلالة على قوة الحديد .‏
‏نحن هنا في ظلال الآية الأولى الواردة أعلاه رقم 25 من سورة الحديد :
المعنى اللغوي وتفسير المفسرين :-

قوله تعالى َأَنزَلْنَا (‏النزول‏)‏ في الأصل هو هبوط من علو‏,‏ يقال في اللغة‏ :(‏ نزل‏ )(‏ ينزل ‏)(‏ نزولا‏ ) و‏(‏مُنزلا‏)‏ والمنزل - بفتح الميم والزاي- معناه ‏(‏ النزول‏)‏ أي الحلول‏ في المكان. ويقال‏:‏(‏استنزله‏)‏ بمعني‏(‏ نزله تنزيلا‏),‏ و‏(‏التنزيل‏)‏ المعروف شرعا في القرآن هو القرآن ذاته أو كل لفظ يدل عليه و الإنزال أعم من التنزيل‏‏ .
شروح المفسرين للآية الكريمة تركز على الجانب الروحي الإيماني لا العلمي كقول ابن كثير‏ -قال :أي وجعلنا الحديد رادعا لمن أبي الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه‏,‏ وقد روي الإمام أحمد‏,‏(‏ فيه بأس شديد‏)‏ يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان ونحوها‏(‏ ومنافع للناس‏)‏ أي في معايشهم كالسكة والفأس والمنشار والآلات ...‏..‏ وقوله تعالي‏ 
وذكر صاحبا الجلالين في تفسير هذه الآية الكريمة(‏ وأنزلنا الحديد‏)‏ أي أنشأناه‏,‏ وخلقناه‏,‏ لقوله تعالي (‏ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏)‏ [الزمر : 6] أي خلق‏ . وذكر صاحب (‏صفوة البيان لمعاني القرآن‏):قال ‏(‏أنزلنا الحديد‏)‏ أي خلقناه لكم‏,‏... أي هيأناه لكم‏,‏ وأنعمنا به عليكم‏,‏ وعلمناكم استخراجه من الأرض كذلك قال صاحب‏(‏ صفوة التفاسير‏) وأصحاب‏(‏ المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏)‏ ولم يقل أي من المفسرين بتنزيل الحديد من السماء لإنكارهم تنزل الأنعام أيضا وساقوا التشبيه بين الآيتين دليلا "(‏ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏)‏ (‏ وأنزلنا الحديد‏)‏ .فما هو الحق في مواجهة الحقائق العلمية بإخبار القران ولماذا رفض المفسرين عقلانية تنزيل الحديد والانعام ولم يرفضوا تفسير "وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات : 107] " على انه كبش (من الانعام) أنزل من السماء ليفتدى به اسماعيل عليه السلام ؟!
حديد الأرض في العلوم الكونية
بينما لا تتعدي نسبة الحديد في شمسنا( ‏0.0037%‏ ) فإن نسبته في التركيب الكيميائي لأرضنا تصل إلي( ‏35,9%‏ ) من مجموع كتلة الأرض المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن‏,‏ وعلي ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طنا‏,‏ ويتركز الحديد في قلب الأرض‏,‏ أو ما يعرف باسم لب الأرض‏,‏ وتصل نسبة الحديد فيه إلي(‏90%‏ ) ونسبة النيكل‏(‏ وهو من مجموعة الحديد‏) تصل الى(9%‏ ) وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلي الخارج باستمرار حتى تصل إلي(‏5,6%‏ ) في قشرة الأرض‏.‏ وإلي أواخر الخمسينيات من القرن العشرين لم يكن لأحد من العلماء إمكانية التصور‏(‏ ولو من قبيل التخيل‏)‏ أن هذا القدر الهائل من الحديد قد أنزل إلي الأرض من السماء إنزالا حقيقيا‏...
فما كيفية النزول ؟ وكيف تسني له اختراق الغلاف الصخري للأرض بهذه الكميات المذهلة؟ وكيف أمكنه الاستمرار في التحرك بداخل الأرض حتي وصل إلي لبها؟ وكيف شكل كلا من لب الأرض الصلب ولبها السائل علي هيئة كرة ضخمة من الحديد والنيكل يحيط بها وشاح منصهر من نفس التركيب‏,‏ ثم أخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشرة الأرض الصلبة؟
لذلك لجأ كل المفسرين للآية إلي تفسير‏(‏ وأنزلنا الحديد‏)‏ بمعني الخلق والإيجاد والتقدير والتسخير‏,‏ لأنه لما كانت أوامر الله تعالي وأحكامه تلقي من السماء إلي الأرض جعل الكل نزولا منها‏,‏ وهو صحيح‏,‏ ولكن في أواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء‏ الفلكية أن الحديد لا يتكون في الجزء المدرك من الكون إلا في مراحل محددة من حياة النجوم تسمي بالعماليق الحمر‏,‏ والعماليق العظام‏,‏ والتي بعد أن يتحول لبها بالكامل إلي حديد تنفجر علي هيئة المستعرات العظام‏,‏ وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحة الكون فيدخل هذا الحديد بتقدير من الله في مجال جاذبية أجرام سماوية تحتاج إليه مثل أرضنا الابتدائية التي وصلها الحديد الكوني‏,‏ وهي كومة من الرماد فاندفع إلي قلب تلك الكومة بحكم كثافته العالية وسرعته المندفع بها فانصهر بحرارة الاستقرار في قلب الأرض وصهرها‏,‏ ومايزها إلي سبع أرضين‏." اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ.." [الطلاق : 12] وبهذا ثبت أن الحديد في أرضنا‏,‏ بل في مجموعتنا الشمسية بالكامل قد أنزل إليها إنزالا حقيقيا‏.
التفسير العلمي الاعجازي:
أولا :- شهادات علمية : قال أشهر علماء العالم في مؤتمرات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم .. الدكتور استروخ وهو من أشهر علماء وكالة ناسا الأمريكية للفضاء .. قال : لقد أجرينا أبحاثا كثيرة على معادن الأرض وأبحاثا معملية .. ولكن المعدن الوحيد الذي يحير العلماء هو الحديد .. قدرات الحديد لها تكوين مميز .. إن الالكترونات والنيترونات في ذرة الحديد لكي تتحد فهي محتاجة إلى طاقة هائلة تبلغ أربع مرات مجموع الطاقة الموجودة في مجموعتنا الشمسية .. ولذلك فلا يمكن أن يكون الحديد قد تكون على الأرض .. ولابد أنه عنصر غريب وفد إلى الأرض
ثانيا :- علوم وآثار التاريخ :
تشير نقوش قدماء المصريين إلى أن الحديد كان يوجد ضمن مكونات أحجار تسقط من السماء، وقد صنعوا منه بعض أدواتهم وآلاتهم في عصر عرف في مجرى الحضارة بأنه العصر البرونزي· كما صنعوا منه حليهم حيث كان وقتئذ أنفس وأندر من الذهب، وتشير إلى ذلك مشغولات وجدت في مقابر ما قبل الأسرات حوالي (3500-3100) قبل الميلاد· ويرجح علماء الآثار أن هذه المشغولات صنعت من حديد النيازك (Meteorites) التي كانت تسقط من السماء، استناداً إلى أن بعضها وجد في صورة خرز أو أنابيب صغيرة بها تجاويف·
لاشك أن خاصيتي الصلابة والتماسك في الحديد، هما سبب استخدام ذي القرنين  له في إقامة السد المنيع الذي أوقف غزوات المفسدين يأجوج ومأجوج، كما ورد في سورة الكهف {آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً· فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا}(الكهف: 96 و97)·ولهذه الخواص استخدمه نبي الله داود في صناعة الدروع، ويؤكد على نفس المعنى، بأن الله وهبه القوة للتغلب على صلابة الحديد، بقوله تعالى:{··· وألنا له الحديد· أن اعمل سابغات وقدر في السرد}(سبأ: 10 ، 11)· والسابغات هي الدروع، والسرد هي المسامير ولهذه المزايا أصبح الحديد حتى       يومنا أكثر المعادن استخداماً في شؤون الحياة المختلفة، وعندما بزغت حضارة البناء بالإسمنت لم يجد المعماريون أفضل من أعواده لتشكيل الدعامات الخرسانية والأساس الذي تقوم عليهما المنشئات· وفي غضون القرن التاسع عشر برزت هندسة جديدة في المباني، معتمدة على الحديد المقسى (أي الصلب) بإضافة بعض الكربون إلى سبائكه، وعرفت بمنشئات الصلب (steel structure)، كان من أشهرها برج إيفل في فرنسا، ودخل الصلب بعدها في إقامة أغلب الكباري وناطحات السحاب بل وأنواع من الأثاث· ثم أصبح صناعة إستراتيجية لكل أنواع الأسلحة من الإبرة حتى الصاروخ·
وهذا ما يؤيد الآراء التي ذهب إليها قدامى المفسرين أن المقصود بالبأس في الآية الخاصة بالحديد هو قوة التسلح بالحديد و أخذاً بسياق المقصود من آيات أخرى منها {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم··}(الأنفال: 60)·
ولكن في رأينا - والله أعلم - أنه في ضوء العلوم الكيميائية الحديثة، والفيزياء النووية، فإن التفسير الأكثر دقة لمعاني كلمة بأس هو الشدة وصلابة التكوين الداخلي للذرات، بدليل أن أهم مركبات الحديد وهو الهيماتيت(Hematite) المعروف بأنه أكسيد الحديد تبلغ درجة صلابته  بين (5-6) درجات، وأن حبيباته (Crystals) ذات أشكال سداسية (Hexagonal)، ومنها مركبات أخرى منها الماجنتيت، والليمونيت .
أدرك القدامى أن بعض الأحجار التي تسقط من السماء تحوي معدن الحديد، فأولوها نوعاً من القداسة، وحتى مطلع القرن العشرين،       لم يكن يدر في خلد كثير من العلماء أن كل هذه الطبقات الكثيفة من ركاز الحديد، والتي تشكل (35.9)% من مجموع كتلة الأرض، يمكن أن تكون أتت من السماء، مصداقاً لقوله تعالى أنزلناولا كيف نفذت إلى باطن الأرض حتى بلغت نسبتها (90)% عند اللب والمركز
  ثالثا : شهادات فلكية :-
 الحقيقة التي يعرفها الفلكيون أكثر من غيرهم، أن الأرض تستقبل كل يوم آلاف الأطنان من النيازك (Meteorites) التي تسقط في مناطق متفرقة، بعضها صغير الحجم وبعضها كبير· فإذا كانت صغيرة الحجم تسمى شهب       (Meteors)، وقد تتهاوى إلى الأرض في زخات أو أسراب، بعد أن تتفكك بالاحتراق نظراً للاحتكاك بذرات الغلاف الجوي للأرض· وهذا ما تشير إليه آيات قرآنية عديدة تصف حركة الشهب وهي تمرق بسرعة في السماء، كما في قوله تعالى: {وأنا       لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهبا· وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً}(الجن: 8، 9)·
وإذا كانت الشهب كبيرة الحجم فإنها لا تحترق احتراقاً كاملاً، وتهوي إلى الأرض بفعل الجاذبية، وتوصف بأنها نيزك أغلبه من حديد، أو مختلطا بالنيكل أو الأحجار· وعادة يكثر سقوط النيازك عند مرور أحد المذنبات (Comets) قرب مدار الأرض، وهي ظاهرة فلكية ليست كثيرة الحدوث، وعرفها القدامى باسم (النجمة أم ذيل)·
الحديد في لب الأرض والشمس
والسؤال الذي قد يلح على عقل المفكر، هو كيف وصل الحديد الى لب الأرض (Core) ومركزها، حيث مازال منصهراً، مشكلاً كرة يقدر الجيولوجيون أن نصف قطرها يبلغ نحو (1400) كيلو متر· والحقيقة العلمية التي وصل إليها علماء الفيزياء النووية، أن هذا الأمر أسبابه منذ خلق الله الكون موجودة في السماء· فعلى غرار لب الأرض، يوجد الحديد منصهراً في لب الشمس وسائر النجوم· وفي أواخر القرن العشرين كشف علماء الفلك والفيزياء النووية النقاب عن أسرار الثقوب السوداء (Black Holes)، وعن انفجار بعض النجوم العملاقة أو المستعرات العظام،(super Nova)، بعد ان يتحول باطنها كله إلى حديد· وبانفجارها تتناثر في الكون الفسيح حولها، ويصل بعض حديدها إلى مجال جاذبية أجرام سماوية أخرى، قد تكون أرضنا أو شمسنا، أو كواكب أو نجوم أخرى·
وهذا بلا شك حدث عند بدأ خلق الكون، ومازال متكرراً حتى اليوم، وعندما وصل الحديد إلى الأرض ووقتئذ كانت كتلة مائعة من الرماد المنصهر، وقبل أن يبرد سطحها، فنفذ الحديد الى لبها بسهولة بسبب كثافته العالية وحرارته الشديدة وسرعة اندفاعه خلال طبقاتها، فاستقر فيها وما زال,وقد تأكد نفس هذا التصور بالنسبة للشمس، بعد ان كشف علماء الفيزياء النووية ان طبيعة التفاعل الذي يتم فيها اندماج نووي (Fusion) بين نوي ذرات غازي الهيدروجين والهيليوم، نتيجة لتصادمها وهي تتحرك بسرعات عالية للغاية، الأمر الذي يؤدي الى تولد طاقة هائلة ضوئية وحرارية وإشعاعية ورياح بلازمية (Plasma)· وتقدر  الحرارة على سطح الشمس بأنها تصل إلى (6000) درجة مئوية، بينما تكون عند لبها (15) مليون درجة مئوية·
 ومن ثم أصبح واضحاً قول الحق تبارك وتعالى: {أنزلنا الحديد} سواء الذي فوق الأرض أو في باطنها بأنه آت من السماء، وسواء هو في صورته النقية أو بمركباته التي تتنوع في صور مختلفة بالتفاعل على عناصر أخرى، فتظهر في صورة أكسيد الحديد وكربونات الحديد وكبريتات الحديد وسليكات الحديد، وكلها جعلها الله منافع       للبشر، لتكتمل أمامنا بلاغة باقي الآية الكريمة
 ·· ومنافع للناس: وأحد هذه المنافع غير المحسوسة لعامة الناس، أن الحديد المنصهر في لب الأرض، هو السبب الرئيسي في وجود المجال المغناطيسي (Magnetic Field) المحيط بها والذي ينتشر حولها، والذي يهتدي به الملاحون في البحر والجو الى اتجاهاتهم بالبوصلات المغناطيسية والكهربائية  ولكن تتجلى حكمته سبحانه وتعالى في أنه جعل هذا المجال سببا في الإمساك بالغلاف الجوي، والغلاف المائي المحيط بالكرة الأرضية، وشدها إليها بقوى الجاذبية إلى أسفل، وهو السبب الرئيسي لحدوث قوى التثاقل (Gravity)  والتي أشار اليها القرآن في بلاغة بديعة في قوله تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفوراً}(فاطر: 41)·
لحظة الصفر في عمر الكون
 بقى أن نعرف كيف اكتسبت النيازك الحديدية قوة الاندفاع بسرعات عالية للغاية، الأمر الذي جعلها تنفذ إلى لب الأرض ولب الشمس، وبالتالي لب النجوم الأخرى· هذا التساؤل يعيدنا إلى التصور العلمي للحظة الصفر في عمر الكون، التي وصفها الحق تبارك وتعالى بأنها لحظة صدر أمره، كن فيكون· إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له {كن فيكون}(يس: 82)· وحسبنا أن نضرب مثلا لترتسم لنا الصورة واضحة، فشمسنا ما هي إلا نجم متواضع بين ملايين النجوم الأخرى التي تضمها آلاف المجرات المتفرقة في الفضاء الكوني· والمسافات التي بينها شاسعة لا يمكن قياسها بالكيلو مترات وإلا احتجنا الى عشرات الأصفار أمامها، ولكنها تقاس بالسنين الضوئية  ولنضرب مثلاً واحداً لتصور إحدى هذه المجرات، التي تقع على بعد (100) ألف سنة ضوئية، تقل سرعة ابتعادها بمقدار النصف عن سرعة مجرة أخرى تقع على بعد (2000) سنة ضوئية· ومنطق العلم يعيدنا الى لحظة الصفر عند بدء تشكل أجرام الكون، التي انعقدت عليها تصورات علماء الفلك والبيولوجيا، التي اطلقوا عليها مصطلح الانفجار العظيم (Big Bang)· وفي تصور لسيناريو الأحداث التي توالت بعد لحظة الصفر، انتهى العلم إلى أن الفضاء الكوني بدأ بانفجار نووي انشطاري متسلسل (Fission) عند رأس مخروط، وانتشرت فيه سحابات ركامية (Clusters) أخذت تبرد تدريجيا بمرور الزمن، وتشكلت فيها غازات الهيدروجين والهيليوم والعناصر الأخرى، وتحوصلت كرات مستعرة يحدث فيها الاندماج النووي (Fusion) كما في شمسنا(12) وتفرقت النجوم في مدن أطلق عليها الفلكيون اصطلاح المجرات (Galaxies)· وما زال الكون ماضياً في الاتساع مصداقاً لقوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون}(الذاريات: 47)، وهذا ما يؤيد نظرية بداية الكون من ذرة واحدة عند رأس مخروط·

   

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق