
المسجد الحرام في القران

الباحث/ عطية مرجان أبوزر
- وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج : 26]
المسجد الحرام هو أعظم مسجد في الإسلام ويقع في قلب مدينة مكة غرب
المملكة العربية السعودية، تتوسطه الكعبة المشرفة التي هي أول بيت وضع
للناس على وجه الأرض ليعبدوا الله فيه تبعاً للعقيدة الإسلامية، وهذه هي
أعظم وأقدس بقعة على وجه الأرض عند المسلمين. والمسجد الحرام هو قبلة
المسلمين في صلاتهم، وإليه يحجون. سمى بالمسجد الحرام لحرمه القتال فيه منذ
دخول النبي المصطفى إلى مكة المكرمة منتصراً. ويؤمن المسلمون أن الصلاة
فيه تعادل مئة ألف صلاة.
ذكر القرآن: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ"(سورة آل عمران، الآية 96).
والمسجد الحرام هو أول المساجد الثلاثة التي تّشد إليها الرحال. فقد قال نبي الإسلام محمد: " لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا (المسجد النبوي)، والمسجد الأقصى ".
المسجد الحرام في القرآن :-
- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة : 127]
- إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة : 158]
- جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة : 97]
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة : 2]
- فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران : 97]
- وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة : 125]
- وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ [الأنفال : 35]
- ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج : 29]
- لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج : 33]
- وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ [الطور : 4]
- فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ [قريش : 3]

مرحلة تشييد الكعبة
يبدأ تاريخ المسجد بتاريخ بناء الكعبة المشرفة، وقد بناها أول مرة
الملائكة عليهم السلام قبل آدم عليه السلام،وكانت من ياقوته حمراء، ثم رفع
ذلك البناء إلى السماء أيام الطوفان، وبعد الطوفان قام النبي إبراهيم مع
ابنه إسماعيل عليهما السلام، بإعادة بناء الكعبة، بعد أن أوحى الله إلي
إبراهيم عليه السلام بمكان البيت، قال تعالى: "وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ "
وهـكذا أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام ببناء البيت الحرام
وذكر القرآن الكريم بناء سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام للكعبة
وتطهير المساحة المحيطة به،ولقد جاءه ( عليه السلام) جبريل عليه السلام
بالحجر الأسود.ولم يكن في بادئ الأمر أسود بل كان أبيضاً يتلألأ من شدة
البياض وذلك لقول الرسول :- «الحجر الأسود من الجنة وكان أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك».
وبقيت على حالها إلى أن تم إعادة بنائها على يد قريش في الجاهلية، بعد
عام الفيل بحاولي ثلاثين عاماً بعد أن حدث حريق كبير بالكعبة,نتج عن محاولة
امرأة من قريش تبخير الكعبة فاشتعلت النار وضعف البناء،ثم جاء سيل حطم
أجزاء الكعبة، فأعادت قريش بناء الكعبة،وقد حضره النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان يبلغ من العمر حينها 35 سنة وشارك بنفسه الشريفة أعمامه في العمل،
ولما أرادت قريش في هذا البناء أن ترفع الحجر الأسود لتضعه في مكانه اختصمت
فيما بينها، حتى كانت تقع الحرب، ثم اصطلحوا على أن يحكم بينهم أول رجل
يخرج من عليهم من هذه السكة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من خرج
فقضى بينهم أن يجعلوا الحجر الأسود في مرط (أي كساء) ثم يرفعه زعماء
القبائل فرفعوه ثم ارتقى محمد عليه السلام فوضعه بيده الشريفة مكانه،
أن قصي بن كلاب وهو أحد أجداد الرسول محمد أول من سقَّف الكعبة، حيث قام
بسقفها بخشب الدوم وجريد النخيل،وذلك قبل بناء قريش للكعبة بزمن طويل.
منذ أن بنى الخليل عليه السلام الكعبة المشرفة، ونادى في الخلق بالحج
إليها، وهي محل تعظيم وإجلال واهتمام، وقد اعتنى بها سكان مكة بل وغير
سكانها فكسوا الكعبة ورمموا بناءها، ولما جاء الإسلام زادها الله تعظيما
وتشريفا،ولم تتح الفرصة للمسلمين لأداء الصلاة في المسجد الحرام قبل الهجرة
إلا نادراً، وفي حالات خاصة سواء قبل الهجرة أو بعدها، فقد كانت قريش
تمنعهم من الصلاة فيه بشكل عام وفي ذلك الوقت أسرى الرسول محمد صلى الله
عليه وسلم أسرى من المسجد الحرام إلى بيت المسجد الأقصى حيث كان محمد صلى
الله عليه وسلم مضطجعا في الحطيم فأتاه جبريل عليه السلام وأسرى به من
هناك، وكانت الكعبة بصفة خاصة والمسجد الحرام بشكل عام بيد قبيلة قريش كما
أشرنا سابقا.
وفي شهر ذي القعدة سنة 6هـ الموافق 628م، أمر الرسولُ محمدٌ أتباعَه
باتخاذ الاستعدادات لأداء العمرة في مكة، بعد أن رأى في منامه أنه دخل هو
وأصحابُه المسجد الحرام وطافوا واعتمروا، فخرج من المدينة المنورة يوم
الاثنين غرّة ذي القعدة سنة 6هـ، في نحو 1400 أو 1500 من المسلمين، ولم
يخرج بسلاح إلا سلاح المسافر (السيوف في القرب)، وساق معه الهدي سبعينَ
بدنةً.ولمّا علمت قريش بذلك، قررت منعه عن الكعبة، فأرسلوا مئتي فارسٍ
بقيادة خالد بن الوليد للطريق الرئيسي إلى مكة، لكنَّ الرسولَ محمدًا اتخذ
طريقًا أكثر صعوبة لتفادي مواجهتهم،ثم أرسل الرسولُ محمدٌ عثمان بن عفان
إلى قريش ليفاوضهم، فتأخر في مكة حتى سرت إشاعة أنه قد قُتل فقرر الرسولُ
أخذَ البيعة من المسلمين على أن لا يفرّوا، فيما عرف ببيعة الرضوان، فلم
يتخلّف عن هذه البيعة أحد إلا جد بن قيس،ونزلت في ذلك آيات من القرآن: " لَقَدْ
رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا" (الفتح: 18)، وخلال ذلك
وصلت أنباء عن سلامة عثمان، وأرسلت قريشٌ سهيل بن عمرو لتوقيع اتفاق
مصالحة عرف بصلح الحديبية، ونصّت بنوده على عدم أداء المسلمين للعمرة ذلك
العام على أن يعودوا لأدائها العام التالي، كما نصّت على أن يَرُدَّ
المسلمون أي شخص يذهب إليهم من مكة بدون إذن، في حين لا ترد قريش من يذهب
إليهم من المدينة. واتفقوا أن تسري هذه المعاهدة لمدة عشر سنوات، وبإمكان
أي قبيلة أخرى الدخول في حلف أحد الطرفين لتسري عليهم المعاهدة. فدخلت
قبيلة خزاعة في حلف الرسولِ محمدٍ، ودخل بنو الدئل بن بكر بن عبد مناة بن
كنانة في حلف قريش، ولمَّا فرغوا من الكتاب انطلق سهيل وأصحابه عائدين إلى
مكة.
وفي العشرين من رمضان في العام الثامن من الهجرة (الموافق 10 يناير
630م) استطاع المسلمون من خلالها فتحَ مدينة مكة وضمَّها إلى دولتهم
الإسلامية وسميت تلك الغزوة بـغزوة الفتح وتسمى أيضا بـعام الفتح.
وسببُ الغزوة هو أن قبيلةَ قريشٍ انتهكت الهدنةَ التي كانت بينها وبين
المسلمين، وذلك بإعانتها لحلفائها من بني الدئل بن بكرٍ بن عبد مناةٍ بن
كنانة (تحديداً بطنٌ منهم يُقال لهم "بنو نفاثة") في الإغارة على قبيلة
خزاعة، الذين هم حلفاءُ المسلمين، فنقضت بذلك عهدَها مع المسلمين الذي سمّي
بصلح الحديبية. وردّاً على ذلك، جَهَّزَ الرسولُ محمدٌ جيشاً قوامه عشرة
آلاف مقاتل لفتح مكة، وتحرَّك الجيشُ حتى وصل مكة، فدخلها سلماً بدون قتال،
إلا ما كان من جهة القائد المسلم خالد بن الوليد، إذ حاول بعضُ رجال قريش
بقيادة عكرمة بن أبي جهل التصديَ للمسلمين، فقاتلهم خالدٌ وقَتَلَ منهم
اثني عشر رجلاً، وفرَّ الباقون منهم، وقُتل من المسلمين رجلان اثنان،
ولمَّا نزل الرسولُ محمدٌ بمكة واطمأنَّ الناسُ، جاءَ الكعبة فطاف بها،
وجعل يطعنُ الأصنامَ التي كانت حولها ويقول:"وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا "( الإٍسراء 81)، و"قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (سبأ، 49)، ورأى في الكعبة الصورَ والتماثيلَ فأمر بها فكسرت.
ولما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوافه يوم الفتح على الراحلة نزل
فأخرجت الراحلة من المسجد الحرام فركع ركعتين ثم انصرف إلى زمزم فاطلع
فيها، وكان يود أن ينزع بيده لكنه انصرف إلى ناحية المسجد قريبا من مقام
إبراهيم، وكان المقام لاصقا بالكعبة المشرفة فأخره رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ودعا بسجل من ماء فشرب وتوضأ، والمسلمون يبتدرون وضوءه ويصبونه على
وجوههم والمشركون ينظرون إليهم ويتعجبون ويقولون: ما رأينا ملكا قط بلغ هذا
ولا سمعنا.
وطاف النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بالبيت يوم الجمعة لعشر
بقين من رمضان، وأراد فضالة بن عمير بن الملوح الليثي قتل النبي صلى الله
عليه وسلم، فلما دنا منه قال محمد: «أفضالة ؟ قال: نعم يا رسول الله. قال:
ماذا كنت تحدث نفسك ؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله. فضحك النبي صلى الله
عليه وسلم ثم قال: أستغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه فكان يقول
والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إلي منه»،بعدها دخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة المشرفة وأمر بلالا أن يؤذن، وكان قد
دخل معه، وكان أبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوسا بفناء
الكعبة فقال عتاب: «أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما
يغيظه»، فقال الحارث: «أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته»، وقال أبو
سفيان: «لا أقول شيئا، لو تكلمت لأخبرته عني هذه الحصاة». فخرج عليهم النبي
صلى الله عليه وسلم فقال: «لقد علمت الذي قلتم»، ثم ذكر لهم ذلك، فقال
الحارث وعتاب: «نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا
فنقول أخبرك.»
وقد بلغت مساحة المسجد الحرام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم 1490مترا مربعا.
في عهد الخلافة الراشدة
وقد كان المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا جدار يحيط به ولا
باب يغلق عليه وبقي المسجد على حاله في خلافة أبي بكر الصديق، وفي عهد
الخليفة عمر بن الخطاب وتحديدا سنة 17هـ بدأت أعمال التوسعة الأولى للمسجد
الحرام، بعدما أفسد سيل أم نهشل مباني المسجد الحرام، وقد انحدر من جانب
المسعى وأحدث تلفاً عظيماً في المباني، ولضيق المسجد بالمصلين رغب عمر
بتوسعة المسجد، فاشترى الدور الملاصقة للمسجد الحرام وضمها له، وأقام
جداراً حوله، وجعل له أبواباً، ووضع عليه مصابيح كي تضيء بعد سدول الظلام،
وعمل سداً لحجز ماء السيول عن الكعبة وتحويلها إلى وادي إبراهيم المجاور،
وتعتبر أعمال عمر بن الخطاب، هي أول توسعة للمسجد الحرام في العصر
الإسلامي.
واستمر المسجد الحرام على ما كان عليه إلى سنة 26 هجرية أي في عهد الخليفة
عثمان بن عفان، حيث بدأت أعمال التوسعة الثانية للمسجد الحرام، وكانت بعد
التوسعة الأولى بحوالي 10 سنوات، وذلك عندما رأى الخليفة عثمان بن عفان،
ازدياد السكان بمكة، وازدياد ضيوف الرحمن لانتشار الإسلام السريع، فقرر
توسعة المسجد الحرام، وبدأت أعمال التوسعة في سنة 26 هـ، وذلك عن طريق شراء
الدور الملاصقة للمسجد وضم أرضها، ومع هذه التوسعة جدد المسجد تجديداً
شاملاً، وأدخل الأروقة المسقوفة، فكان أول من اتخذ الأروقة له،وجعل في
المسجد أعمدة من الرخام.
ذكر الأزرقي في كتابه أخبار مكة أن أول من نصب أعلام حدود الحرم هو سيدنا
إبراهيم، فذكر الأزرقي عن حسين بن القاسم، قال سمعت بعض أهل العلم يقول:
«ولما قال إبراهيم ربنا أرنا مناسكنا، نزل إليه جبريل فذهب به فأراه
المناسك ووقفه على حدود الحرم، فكان إبراهيم يرضم الحجارة، وينصب الأعلام،
ويحثي عليها التراب، وكان جبريل يقفه على الحدود.» ومن ثم جددت الأعلام في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فروى أبو نعيم عن ابن عباس «أن النبي
صلى الله عليه وسلم بعث تميم بن أسد الخزاعي يجدد أنصاب الحرم».وقال بعضهم
أن «إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوم الفتح، تميم بن أسد الخزاعي جد
عبد الرحمن بن المطلب بن تميم فجدّدها». ثم بعد ذلك جددت في عهد عمر بن
الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم معاوية بن أبي سفيان.
وبين النووي في كتابه المجموع شرح المهذب، حدود الحرم المكي:
«فحد الحرم من جهة المدينة دون التنعيم عند بيوت بني نفار، على ثلاثة أميال
من مكة، ومن طريق اليمن طرف أضاة لبن على سبعة أميال من مكة، ومن طريق
الطائف على عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال، ومن طريق العراق على ثنية
جبل بالمقطع على سبعة أميال، ومن طريق الجعرانة في شعب آل عبد الله بن خالد
على تسعة أميال، ومن طريق جدة، منقطع الأعشاش على عشرة أميال من مكة.
وأعلم أن الحرم عليه علامات منصوبة في جميع جوانبه ذكر الأزرقي وغيره
بأسانيدهم أن إبراهيم الخليل عليه السلام علمها، ونصب العلامات فيها وكان
جبريل عليه السلام يريه مواضعها، ثم أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بتحديدها
ثم عمر ثم عثمان ثم معاوية رضي الله عنهم. وهي إلى الآن بينة ولله الحمد.»
فمن خلال هذ الوصف، يصبح حدود الحرم هي:
حدوده شمالاً من جهة المدينة المنورة، عند التنعيم أو مسجد العمرة، وتقدر المسافة بنحو 7 كم.
حدوده غربًا من جهة جدة، عند العلمين أو الحديبية، وتقدر المسافة المسافة بـ 18كم.
حدوده شرقًا من جهة نجد، عند الجعرانة، وتقدر المسافة بـ 14.5 كم تقريبًا.
حدوده جنوبًا من جهة عرفة، عند نمرة، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدر بنحو 20 كم
من مرافق المسجد الحرام
![]() |
صورة للحجر الذي كان يقف عليه سيدنا إبراهيم، |
مقام
إبراهيم هو ذلك الحجر الأثري الذي قام عليه إبراهيم عليه السلام عند بناء
الكعبة المشرفة لما ارتفع البناء، وشق عليه تناول الحجارة فكان يقوم عليه
ويبني، وهو الحجر الذي قام عليه بالأذان والنداء للحج بين الناس وفي هذا
الحجر أثر قدمي إبراهيم عليه السلام، بعدما غاصت فيه قدماه،وهو الحجر التي
تعرفه الناس اليوم عن عند الكعبة المشرفة، ويصلون خلفه ركعتي الطواف.فعند
البخاري عن ابن عباس قال:
«فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان"وَإِذْ
يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"(اليقرة، 127).
لكن
آثار قدمي نبي الله إبراهيم محيت بمرور الزمن وذلك يرجع إلى تمسح الناس
به، فقال ابن كثير: وكانت آثار قدميه ظاهرة فيه ولم يزل هذا معروفا تعرفه
العرب في جاهليتها، وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضا»، وروى ابن جرير عن
قتادة أنه قال:
«﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ إنما
أمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه، وقد تكلفت هذه الأمة شيئا ما
تكلفته الأمم قبلها. ولقد ذَكَرَ لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه فما زالت
هذه الأمة يمسحونه حتى انمحى.»
ولمقام
إبراهيم فضائل عديدة،فهو من من يواقيت الجنة فقد اخرج الحاكم عن عبد الله
بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الركن والمقام ياقوتتان من الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاءتا مابين المشرق والمغرب»وأن الله تعالى نوه بذكره من جملة آياته البينات في سورة آل عمران بقوله ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾(آل عمران: 97)، وقد
فسرها ابن جرير بقوله «إن أول بيت وضع للناس مباركاً وهدى للعالمين للذي
ببكة، فيه علامات بينات من قدر الله وآثار خليله إبراهيم، منهن أثر قدم
خليله إبراهيم - عليه السلام - في الحَجَر الذي قام عليه»ومن فضائله أن
إبراهيم عليه السلام وقف عليه كما أمره الله عز وجل وأذن في الناس
بالحج،ففي كتاب أخبار مكة، روي عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أنه قال: «لما
فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت أمره الله عز وجل أن ينادي في
الحج، فقام على المقام، فقال: يا أيها الناس إن ربكم قد بنى بيتًا فحجوه،
وأجيبوا الله عز وجل، فأجابوه في أصلاب الرجال وأرحام النساء:
أجبناك، أجبناك، أجبناك، اللهم لبيك، قال: فكل من حج اليوم فهو ممن أجاب
إبراهيم على قدر ما لبى»
وقد أمر الله تعالى المسلمين باتخاذه مُصَلّى في الحج والعمرة وذلك في قوله ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى﴾( اليقرة: 125)،فكان
اتخاذ مقام إبراهيم مُصَلّى موافقاً لقول عمر ابن الخطاب، فعن أنس بن مالك
أن عمر ابن الخطاب قال: «وافقت ربي في ثلاث، فقلت يا رسول الله لو اتخذنا
من مقام إبراهيم مُصَلّى، فنزلت ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾، وآية الحجاب قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾»
ويعتبر
الخليفة المهدي العباسي؛أول من حلَّى المقام لما خشي عليه أن يتفتت فهو من
حجر رخو،فبعث بألف دينار، فضببوا بها المقام من أسفله إلى أعلاه، وفي
خلافة المتوكل زيد في تحليته بالذهب، وجعل ذلك فوق الحلية الأولى، وذلك في
سنة 236هـ، ولم تزل حلية المهدي على المقام حتى قلعت عنه في سنة 256هـ لأجل
إصلاحه فجدد وصب عليه حتى يشتد، وزيد في الذهب والفضة على حليته الأولى،
وكان الذي شده بيده في هذه السنة بشر الخادم في عهد الخليفة المعتمد
العباسي،وحمل المقام بعد اشتداده، وتركيب الحلية إلى موضعه وذلك عام 256هـ.
صورة من خارج القبة الزجاجية تظهر المقام |
وفي
25 من ذي الحجة 1384هـ أمرت هيئة رابطة العالم الإسلامي بإزالة جميع
الزوائد الموجـودة حول المقام،وإبقـاء المقام في مكانه على أن يُجعل عليه
صندوق من بلوري سميك قوي على قدر الحاجة وبارتفاع مناسب يمنع تعثر الطائفين
ويتسنى معه رؤية المقام، ووافق فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية
السعودية وأصدر أمره بتنفيذ ذلك، فعمل له غطاء من البلور الممتاز، وأحيط
هذا الغطاء بحاجز حديدي، وعملت له قاعدة من الرخام نصبت حول المقام لا تزيد
مساحتها عن 180 في 130 سنتمترا بارتفاع 75 سنتمترا،وتم ذلك في رجب 1387هـ؛
حيث جرى رفع الستار عن الغطاء البلوري في حفل إسلامي، واتسعت رقعة المطاف
وتسنى للطائفين أن يؤدوا مناسك الطواف في راحة ويسر، وخفت وطأة الزحام
كثيرا.
أما
في عام 1998م، في عهد فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية،
فقد تم تجديد غطاء مقام إبراهيم عليه السلام من النحاس المغطى بشرائح الذهب
والكريستال والزجاج المزخرف، وتم وضع غطاء من الزجاج البلوري القوي الجميل
المقاوم للحرارة والكسر، أما عن شكل المقام حاليا فهو مثل القبة نصف
الكرة، ووزنه 1.750 كجم، وارتفاعـه 1.30 موقطره من الأسفل 40 سم، وسمكه 20
سم من كل الجهات، وقطره من الخارج من أسفله 80 سم، ومحيط دائرته من أسفله
2.51م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق